واجبات الزوجة تجاه زوجها

واجبات الزوجة تجاه زوجها

في بنية الأسرة الإسلامية، تُعد العلاقة بين الزوج والزوجة أحد أهم الأركان التي تقوم عليها منظومة المجتمع برمّتها، وهذه العلاقة لا تُبنى فقط على المودة والرحمة، بل تقوم على الحقوق والواجبات المتبادلة التي تحفظ توازن الحياة الزوجية واستقرارها. ومن أبرز هذه الواجبات، تلك التي تقع على عاتق الزوجة تجاه زوجها، إذ أن التزامها بها يضمن دوام المحبة، واستمرار الحياة الأسرية في جو من السكينة والاحترام المتبادل، ويحقق مقاصد الشريعة في بناء أمة مستقرة أخلاقيًا واجتماعيًا.

أولًا: الطاعة في غير معصية

أولى واجبات الزوجة تجاه زوجها، والتي نصّت عليها الشريعة الإسلامية بوضوح، هي طاعته في المعروف. فالزوج هو القوّام على الأسرة، والطاعة في هذا الإطار ليست خضوعًا مهينًا، بل تنظيمًا للأدوار من أجل استقرار الحياة الأسرية. قال النبي ﷺ: “إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصّنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أيّ أبواب الجنة شئتِ.” [رواه ابن حبان].

طاعة الزوج لا تعني فقدان شخصية المرأة أو رأيها، بل تعني احترام ترتيب الله في القوامة؛ بحيث تكون الزوجة داعمة لزوجها، ميسِّرة لحياته، مستجيبة لطلباته التي لا تتعارض مع الشرع أو المنطق أو الكرامة الإنسانية. وفي المقابل، حث الإسلام الزوج على حسن المعاشرة واللين والعدل في المعاملة.

ثانيًا: حفظ الفراش والسر

من أعظم الواجبات على الزوجة أن تحفظ عرضها وشرفها في حضور زوجها وغيابه، لأن شرف الرجل مرتبط بشرف زوجته، وإذا اختل هذا الجانب تدمّرت الثقة وتزعزعت الأسرة. قال الله تعالى: “فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله” [النساء: 34]. ويتضمن هذا الحفظ:

• حفظ الفراش من الخيانة أو الشك.

• حفظ أسرار الزوج وحياتهما الخاصة، فلا تبوح بها لأحد.

• حفظ مال الزوج وبيته في غيابه، وعدم التصرف بما يملك إلا بإذنه أو وفق ما جرت به العادة والعرف.

ثالثًا: المعاشرة بالمعروف

الزوجة الصالحة تسعى إلى خلق بيئة أسرية مريحة مليئة بالمودة والرحمة، وذلك لا يتم إلا بحُسن المعاشرة. من أشكال هذه المعاشرة:

• الكلمة الطيبة، والابتسامة، ولين الجانب.

• تفهُّم ضغوط الزوج العملية والنفسية، والوقوف بجانبه دعمًا وعونًا.

• التعامل معه باحترام دائم أمام الأبناء والناس.

• مشاركته أفراحه وأحزانه وهمومه، والاستماع الجيد له.

كلما كانت العلاقة بين الزوجين مبنية على هذه الأصول من التراحم والتقدير، ازدهرت الحياة الأسرية وتجاوزت أي أزمات محتملة.

رابعًا: التزيّن والتجمُّل للزوج

من واجبات الزوجة كذلك أن تهتم بمظهرها ونظافتها وأناقتها أمام زوجها، وتُظهر له من الجمال والزينة ما يُحب، فقد جعل الله من حقوق الزوج أن يرى في زوجته ما يُرضي نظره ويشرح صدره. هذه المسألة ليست رفاهية، بل وسيلة لتقوية الرابط العاطفي والوجداني بين الزوجين، وتحصين العلاقة من الفتور أو الانجراف نحو الخيانة.

قال ابن عباس رضي الله عنه: “إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي.” وقد دلّت النصوص الشرعية والتجارب الواقعية أن من أسباب فتور العلاقات الزوجية إهمال الطرفين – خاصة الزوجة – للتزيّن بعد الزواج.

خامسًا: تربية الأبناء ورعاية البيت

المرأة هي عماد البيت، ودورها في تربية الأبناء لا يمكن الاستغناء عنه. من واجباتها أن تُعنى بتنشئة الأبناء على القيم الإسلامية، والاعتناء بتفاصيل البيت ومتطلباته، وتنظيم الحياة اليومية للعائلة، بحيث يكون بيتها منبعًا للسكينة والنظام والطمأنينة.

التربية ليست فقط مسؤولية تعليمية، بل أخلاقية وسلوكية، تبدأ من طريقة تعامل الزوجة مع زوجها، وتنتهي بما تزرعه في نفوس الأبناء من قيم الانتماء والطاعة والصدق.

سادسًا: الصبر على الظروف وتقلبات الحياة

الحياة الزوجية ليست مثالية دومًا، بل تمر بفترات صعود وهبوط، وتتخللها تحديات مادية وصحية ونفسية. من واجبات الزوجة أن تصبر على تقلبات الأحوال، وأن تكون سندًا لزوجها لا عبئًا عليه. الصبر لا يعني الخنوع، بل هو رُقيّ في الفهم ووعي بطبيعة الحياة الزوجية ومتطلباتها.

الزوجة الواعية تدرك أن المحن مراحل مؤقتة، وأن دعمها لزوجها خلال هذه الأوقات يخلّد مكانتها في قلبه ويقوي روابط الأسرة.

سابعًا: احترام أهل الزوج

من حسن العشرة والخلق، أن تحترم الزوجة أهل زوجها، وتُظهر لهم الود والتقدير، خاصة والديه. لا يُطلب منها أن تحبهم بالضرورة، لكن عليها أن تحافظ على الحد الأدنى من اللياقة والمعاملة الطيبة، لأن في ذلك دعم للعلاقة الزوجية وإزالة لكثير من مسببات النزاع.

وقد أثنى النبي ﷺ على من تصل رحم زوجها وتكرمهم. فبرّ أهل الزوج هو برّ للزوج نفسه.

ثامنًا: عدم الخروج من البيت إلا بإذنه

من حق الزوج على زوجته أن لا تخرج من البيت إلا بإذنه، وهذا لا يعني مصادرة حرية المرأة، بل تنظيمها بما يضمن استقرار الأسرة. وقد علّق بعض العلماء هذا الحكم على العُرف السائد، فإذا جرى العرف على أن الزوجة تخرج لقضاء حوائجها المعروفة دون إذن صريح، فلا حرج، ما لم يُظهر الزوج رفضه لذلك.

لكن يُستحسن من باب التقدير والاحترام أن تُشعره بأي خطوة خارجية، خاصة إذا كانت لفترة طويلة أو ترتبط بزيارة غير معتادة.

تاسعًا: عدم إدخال من يكره الزوج إلى بيته

من الحقوق التي أقرّها الشرع للزوج، أن لا يدخل بيته من يكره، سواء من الأقارب أو الأصدقاء، وقد ورد في الحديث: “ولا تأذن في بيته لمن يكره.” [رواه البخاري]. وهذا من باب الحفاظ على خصوصية البيت واحترام رغبات الزوج، وعدم إشعاره بانتهاك حدوده الخاصة.

عاشرًا: مراعاة حال الزوج المادي

ليس من العدل أن تُثقل الزوجة على زوجها بالطلبات فوق طاقته، أو تقارن حياته المادية بغيره من الرجال. الواجب أن تراعي إمكانياته، وتعيش معه في حدود ما يستطيع. قال النبي ﷺ: “انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك.” [أحمد].

وهذا يتطلب منها الوعي والفهم الحقيقي لمعنى الشراكة الزوجية، وأن السعادة لا تُقاس بكمية الإنفاق، بل بجو المحبة والتقدير.

جدول يوضح أبرز واجبات الزوجة تجاه زوجها:

الخاتمة

واجبات الزوجة في الإسلام ليست قيودًا تحدّ من دورها أو تقزّم من شأنها، بل هي مسؤوليات نابعة من الحكمة الربانية في بناء كيان متماسك يحفظ القيم ويؤسس لمجتمع راقٍ. فكلما التزمت الزوجة بهذه الواجبات عن قناعة ومحبة، كلما أثمرت العلاقة الزوجية سعادة ودوامًا، وتحوّل البيت إلى واحة من الأمن والطمأنينة.

المراجع:

1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم.

2. النووي، شرح صحيح مسلم.